تل ابيب- واثق- إسرائيل لا تستعد لليوم التالي حتى في الضفة الغربية، والمختطفون تحولوا إلى رهائن لصراعات القوى السياسية.
تسافي بارئيل - هارتس
الفهم الصادم بأن مصير المختطفين أصبح مسألة ثانوية إن لم تكن هامشية، وأن القضية التي تسلقت بشق الأنفس إلى قمة “أهداف الحرب” بدأت بالفعل في الانحدار، لا يستند فقط إلى مؤشرات الشعبية في وسائل الإعلام. الهدف الذي قيل إنه يجب تحقيقه “بأي ثمن” يتجه نحو تعريف سياسي جديد: عدم إطلاق سراح المختطفين، أي موتهم، سيُعتبر “ثمناً عملياتياً” مقابل القضاء على حماس. فعندما يربط بنيامين نتنياهو استمرار المفاوضات وقبول عرض حماس بتفكيك سلاح التنظيم ورحيل قيادته من القطاع، فإنه يطرح مخططاً زائفاً ومشوهاً مغطى بقناع منطق ظاهري، لا علاقة له إطلاقاً بتحرير المختطفين.
عندما يطالب نتنياهو بنزع السلاح، لا يعرض في المقابل وقف الحرب، وهو الإجراء الذي قد يؤدي إلى تحرير المختطفين دفعة واحدة وبالقريب العاجل. بل يضع إنذاراً نهائياً يخدم الهدف الثاني، إسقاط حماس، الذي يقدّمه الآن – دون أساس – كوسيلة وحيدة يمكن أن تؤدي إلى إطلاق سراح المختطفين. وذلك بعد أن خرق بنفسه بشكل أحادي اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقّعه في يناير، وهو الاتفاق الذي وافق فيه على انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة وفعلياً على وقف الحرب، والتزم بإجراء مفاوضات حول المرحلة الثانية – التي من المفترض أن تتناول إعادة إعمار القطاع وإدارته من قبل قوة فلسطينية أو فلسطينية-عربية.
نتنياهو يعلم أن مثل هذا العرض قد نوقش بالفعل عدة مرات بين حماس ومصر وقطر، وفي السابق طُرح أيضًا في المحادثات التي أجراها الأميركيون مع السعودية والإمارات. الرد الأخير للتنظيم، كما أوضحه يوم السبت خليل الحية، المسؤول عن حماس في غزة ومن يقود المفاوضات باسم التنظيم، كان: “سلاح المقاومة هو خط أحمر، وهو مرتبط بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ما دام هناك احتلال، سيبقى السلاح من أجل الشعب الفلسطيني ومن أجل الدولة لحماية قدراته وحقوقه”.
المتحدثون المصريون يرون أن “القضاء على حماس ليس هدفاً واقعياً، لكن يجب السعي لتقليص تأثيرها ووجودها في إطار الإدارة الجديدة التي ستُقام”.
والنتيجة هي أن منظومة الوساطة التي تديرها مصر وقطر بالتعاون مع الولايات المتحدة، لم تعد تُعنى فقط بتفاصيل المختطفين الذين سيتم إطلاق سراحهم، ومواعيد تنفيذ الصفقة، والضمانات لتنفيذ الالتزامات الفنية والتكتيكية. بل إنها غارقة أيضًا في قضايا الإطار الأوسع، مثل خطط إدارة غزة، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الصفقة.
وكلما اتسعت بنود الشروط المطروحة كجزء من صفقة الأسرى، ازدادت أيضًا الخلافات – ليس فقط بين إسرائيل وحماس، بل حتى بين الوسطاء أنفسهم.
مصر، التي صاغت المقترح لإنشاء لجنة إدارة للقطاع خلال وقف إطلاق النار وبعده، حصلت على دعم شامل من دول الجامعة العربية ودول “المنتدى المصغّر”، الذي يضم من بين أعضائه السعودية، الإمارات وقطر.
لكن المقترح يفتقر إلى عنصر جوهري يتعلق بالقوة العسكرية التي ستعمل في القطاع لضمان تنفيذ الخطة.
في اجتماع عُقد في فبراير بين خليل الحية ورئيس المخابرات المصرية حسن رشاد، طرح رشاد مسألة نزع السلاح، واقترح أن يُخزَّن السلاح الثقيل لحماس، بما فيه الصواريخ والقذائف، تحت إشراف مصري وأوروبي. لكن الحية رفض الاقتراح رفضاً قاطعاً.
ويرى متحدثون مصريون أن “القضاء على حماس ليس هدفاً واقعياً، لكن يجب تقليص نفوذها ووجودها في الهيكل الإداري الجديد الذي سيُقام”. وقال محلل سياسي مصري مقرّب من دائرة الرئاسة لصحيفة “هآرتس” مؤخراً إن “الرئيس السيسي يدرك جيداً أن حماس لا يمكن أن تشارك في إدارة القطاع، لكنه غير مقتنع بإمكانية نزع سلاح الحركة. فكما تُظهر التجربة المصرية، من الممكن إبعاد الإخوان المسلمين عن الساحة السياسية، والسيطرة على مصادر تمويلهم داخل مصر، واعتقالهم وحتى تصفيتهم، لكن مصر لا تزال تخوض ضدهم حرباً ضروساً بدأت قبل نحو 12 عاماً ولم تُحسم بعد. الحرب على الإرهاب لا تُحسم في ليلة ولا حتى في سنة.
وبحسب رؤية السيسي، فإن إنشاء نظام إدارة مدنية لا تشارك فيه حماس ضروري ليس فقط لأسباب إنسانية وسياسية، بل أيضاً من أجل بناء بنية تحتية مدنية بديلة لحماس، بحيث يتم تجفيف مصادرها الجماهيرية والاقتصادية”.
السعودية وقطر لا تختلفان بشكل حاد مع الرؤية المصرية. فكلتاهما تدعمان نزع سلاح حماس، لكن برأيهما، لا مفر من منح الحركة دورًا مدنيًا وسياسيًا معينًا، ولو من وراء الكواليس، في إدارة قطاع غزة. في مطلع مارس، نشر وول ستريت جورنال تقريرًا زعم أن قطر أحبطت دعوة محمود عباس لحضور قمة مصغّرة عُقدت في فبراير بالرياض، بحجة أن على حماس أيضًا أن تكون ممثلة في الحدث. قطر نفت تمامًا هذا التقرير واعتبرته “عارياً عن الصحة وغير مسؤول”، بحسب بيان وزارة الإعلام القطرية.
....... يتبع