الكاتب : الجنرال عاموس يادلين
تجري الولايات المتحدة وإيران مفاوضات بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني. إن دخول إيران إلى المفاوضات، وبعد أن وصلت قدراتها النووية إلى النقطة الأكثر تقدماً في تاريخها، فُرض عليها عبر تهديد عسكري من واشنطن. لأول مرة منذ عقد تقريباً، يوجد تهديد عسكري صادق لتفكيك المشروع النووي الإيراني، موجود على الطاولة، ومدعوم بوجود عسكري غير مسبوق في الشرق الأوسط، التعبير الأفضل عنه هو نشر طائرات استراتيجية ذات قدرة على التخفي في جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، وحاملتَي طائرات تم إرسالهما إلى المنطقة، في الوقت الذي أصبحت إيران عرضة للخطر أكثر من أيّ وقت مضى، بعد أن فقدت حزب الله كمكوّن مركزي في قدرة الردع لديها، وبعد الضررالذي لحق بقدراتها على الدفاع عن مواقعها العسكرية. وهذا كله في ظل تهديد دونالد ترامب بالتوجه إلى الخيار العسكري في حال فشلت المفاوضات- والطرفان يشيران إلى رغبتهما في التوصل إلى اتفاق. وعلى الرغم من ذلك، من غير الواضح ما إذا كانا سيستطيعان تجسير الفجوات فيما بينهما. الشيطان يكمن في التفاصيل، والطرف الإيراني يعرف التفاصيل أكثر، والمفاوضات ليست متناظرة، ففي الوقت الذي يملك عباس عراقجي خبرة طويلة في جولات المفاوضات الماضية، وهو ملمّ بتفاصيل الموضوع النووي، فإن ستيف ويتكوف يقوم بخطواته الأولى في المجال النووي، وهو مجال يتطلب مهنية عالية. وأكثر من ذلك، فإن ويتكوف مشغول بمفاوضات أُخرى في جبهات أُخرى، مع التشديد على أوكرانيا والسعودية وغزة.
إن تصميم ترامب على أن "إيران لن تملك سلاحاً نووياً" يشكل هدفاً عاماً، ويمكن أن يلتقي، بسهولة نسبياً، مع موقف إيران التي تدّعي دائماً أن "خطتها النووية مخصصة لأهداف سلمية فقط"، وغير مستعدة للتنازل عن حقها في التخصيب. في هذه الظروف، فإن الولايات المتحدة وإيران يمكن أن تتوصلا إلى اتفاق سيئ، بالنسبة إلى إسرائيل، ولن يُستجاب لمطلبها بتفكيك الخطة النووية الإيرانية وإبعاد إيران عن موقع دولة على العتبة النووية إلى الأبد، بشكل يحبط قدرتها على الاندفاع نحو السلاح النووي خلال وقت لا يسمح للولايات المتحدة وإسرائيل بالتجهز لإيقافها.
هناك توترات ما بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن القضية الإيرانية. إسرائيل تشك في احتمالات فرض اتفاق على إيران من دون مهاجمة مواقعها النووية، وهو ما كان مخططاً له في شهر أيار/مايو. وفي الوقت نفسه، يبدو كأن إدارة ترامب، وعلى الرغم من الخلافات في داخلها، حسمت قرارها لمصلحة الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق مع طهران، وهو ما بشّر به ترامب بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض… هناك عشرات العوامل المؤثّرة في المجال النووي، ويجب على الولايات المتحدة أن تصمم على وجودها في كل اتفاق مستقبلي: حجم ومستوى تخصيب المواد النووية الذي سيبقى في إيران، وعدد المفاعلات التي يمكنها الإبقاء عليها، ودرجة التحصين لمواقع التخصيب والقيود على مجال البحث والتطوير، فضلاً عن مراقبة دقيقة للبرنامج النووي من طرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية (على أساس الملحق الإضافي لترتيبات الرقابة الصادر عن NPT)، والسماح بمراقبة النشاطات والمواقع والعلماء المشتبه في أنهم على علاقة بتطوير السلاح النووي، وردود إيرانية كاملة بشأن "الملفات المفتوحة" التي تتعلق بالنشاطات النووية الممنوعة سابقاً. يجب أن ينعكس إطار التفاهمات بشأن هذه القضايا في 5 نماذج ممكنة للاتفاق:
النموذج الليبي: وهو ما يتحدث عنه رئيس الحكومة، ومعناه التفكيك الكلّي للبنى النووية في إيران من جانب الولايات المتحدة. هذا النموذج ترفضه إيران كلياً، وهو غير واقعي في المدى المنظور الذي يعمل في إطاره ترامب.
المعيار الذهبي: استناداً إلى البند 123 في قانون الطاقة النووية في الولايات المتحدة، فإنها تشترط بيع المفاعلات النووية، بشرط عدم التخصيب على أرض الدولة التي تتم إقامة المفاعل فيها، وإخراج الوقود من الدولة يخضع للرقابة، كي لا تستطيع استخراج البلوتونيوم منه. هذا نموذج الخطة النووية المدنية التي يتم بناؤها في الإمارات.
إغلاق الطريق أمام السلاح النووي: تقليل مخزون اليورانيوم المخصّب على مستوى 20% و60%، أو حتى إخراجه من إيران وفرض قيود على قدرات التخصيب لديها بشكل ثابت إلى مستوى 3.67% فقط، من دون التصريح بشأن تجميع كميات كبيرة من اليورانيوم، إلى جانب منع كل النشاطات التي يمكن أن تُستعمل لأهداف السلاح النووي كلياً، وفرض رقابة دقيقة "في كلّ وقت وكلّ مكان"، {وقيود على بناء مواقع جديدة ومنظومة الصواريخ الباليستية.}
العودة إلى الاتفاق النووي 2015: الذي ركز حينها على فرض قيود على التخصيب في إيران لوقت محدود، وملاءمته للواقع الحالي للخطة النووية الإيرانية، وهو أوسع مما كان عليه سابقاً. إيران تسعى لاتفاق كهذا مع تغييرات في الجدول الزمني، على الرغم من أنه من الواضح أن هذا غير واقعي الآن بسبب التقدم التكنولوجي في المجال النووي، وأيضاً كمية المواد المخصّبة التي راكمتها بمستويات عالية (20 و60%).
اتفاق موقت على نمط اتفاق 2013 (JPOA): وهو اتفاق يجمد الخطة النووية في مقابل تسهيلات معينة في العقوبات وإزالة التهديد العسكري. لكن في الوضع المتقدم الذي وصل إليه البرنامج النووي الإيراني، فإن هذا الاتفاق يترك إيران في وضعية دولة على العتبة النووية، ويُعتبر الخيار الأسوأ بالنسبة إلى إسرائيل.
يجب على إسرائيل التوصل إلى تفاهمات مسبقة مع الإدارة الأميركية بشأن مميزات "الاتفاق المقبول" الذي من شأنه منع إمكان تحوُّل البرنامج النووي المدني إلى برنامج سلاح نووي. وهذه أساساته: المعيار الذهبي، من دون تخصيب يورانيوم. الحفاظ على هذا المعيار مهم، في مقابل مطالب السعودية أيضاً بالحصول على برنامج نووي، ومن أجل منع الإمارات من المطالبة بالاتفاقيات الخاصة بها مع الولايات المتحدة، ومنعهما من تخصيب يورانيوم على أراضيهما، ويمكن أن تلي هذه المطالب أيضاً مطالب مشابهة من مصر وتركيا.. القيود التي ستُفرض على الخطة النووية الإيرانية يجب ألّا تكون محدودة زمنياً. الحديث هنا يدور حول إحدى الإشكاليات المركزية في الاتفاق النووي 2015، وهو ما جهّز الأرضية، بالتدريج، للبرنامج النووي الإيراني وترك الغرب من دون أدوات ضغط، تحضيراً للمفاوضات بشأن تمديد القيود بعد انتهاء الاتفاق..
خطوة عسكرية، يجب أن تكون جاهزة في حال فشلت المفاوضات.
في الخلاصة، يمكن أن يكون الهدف من المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران تبرير الخطوة العسكرية، لكن هناك تخوفاً الآن من أن يكون ترامب متلهفاً للتوصل إلى اتفاق بأيّ ثمن، كخيار مفضل على الهجوم العسكري، ويطرحه على أنه "صفقة القرن".
إسرائيل لم تنجح في التوصل إلى تفاهمات استراتيجية مسبقة مع إدارة ترامب، تتضمن أبعاداً تقنية وعملياتية بشأن النموذج المفضل للاتفاق مع إيران وخطة بديلة مشتركة في حال فشلت المفاوضات. في هذه الظروف، يمكن أن تُفاجأ كلّ مرة من جديد، بعد الخطوات الاميركية، وتتابع المحادثات بين واشنطن وطهران من دون أيّ قدرة على التأثير فيها.